تحولت دولة الإمارات العربية المتحدة (الإمارات) بسرعة من دولة إقليمية غنية بالنفط إلى إمبراطورية مالية عالمية مترامية الأطراف، مستفيدة من مؤسسات خاضعة لسيطرة الدولة، وعمليات سرية، وشبكة واسعة من الشركات الوهمية لتمديد نفوذها الاقتصادي في 38 دولة. وعلى الرغم من تصوير هذا التوسع على أنه قصة نجاح في التنويع والعولمة، فإن الواقع أكثر إثارة للقلق. فإمبراطورية الإمارات المالية تمثل تهديدًا مباشرًا ومتزايدًا للسيادة المحلية، والاستقلال الاقتصادي، والديمقراطية في الدول المستهدفة. الحملة الدولية لمقاطعة الإمارات تهدف إلى فضح ومقاومة هذا الهيمنة الاقتصادية، التي تُزيح الصناعات المحلية، وتُضعف الأعمال الصغيرة، وتُكرّس السيطرة الاحتكارية على القطاعات الحيوية حول العالم.
استثمارات الإمارات الخارجية—التي تتجاوز الآن 2.5 تريليون دولار—ليست حيادية أو غير مؤذية، بل تُجسد أجندة استراتيجية مصممة بعناية لتمكين القوة الإماراتية خارج حدودها. يتم توجيه هذه التدفقات المالية عبر أدوات تابعة للدولة مثل جهاز أبوظبي للاستثمار (ADIA)، وشركة مبادلة للاستثمار، ودبي القابضة، والتي تعمل مع قدر ضئيل من الرقابة العامة، وغالبًا من خلال هياكل خارجية معتمة.
القطاعات المستهدفة—كالتمويل، والعقارات، والبنية التحتية، والاتصالات، والطاقة، والتكنولوجيا—ليست عشوائية، بل تمثل نقاطًا حيوية في شرايين الاقتصادات السيادية. ومن خلال تثبيت أقدامها في هذه القطاعات، تقوم الإمارات فعليًا بإدماج سيطرتها في البنية الاقتصادية الأساسية للدول الأخرى.
وعلى عكس الاستثمار الأجنبي التقليدي الذي قد يعزز الصناعات المحلية أو يشجع على التبادلية الاقتصادية، فإن نهج الإمارات يُعد استخراجيًا واحتكاريًا. فهذه الاستثمارات ليست مصممة فقط لتحقيق عائد مالي، بل تهدف إلى إعادة تشكيل المشهد الاقتصادي والسياسي في الدول المضيفة بطرق تخدم الطموحات الجيوسياسية للنظام. وهي تمنح الإمارات نفوذًا على السياسات الوطنية وسيطرة على قطاعات تؤثر مباشرة في حياة المواطنين—كالنقل، والإسكان، والوصول إلى المعلومات، والخدمات المالية.
في مصر، على سبيل المثال، رسخت الإمارات نفسها كمستثمر مهيمن في العقارات، والإسكان الفاخر، ومشاريع البنية التحتية الحيوية. ومن خلال صفقات تم التفاوض عليها بين النخب الحاكمة، حصلت الشركات الإماراتية على مساحات شاسعة من الأراضي وعقود استراتيجية—غالبًا بشروط غير شفافة تتجاوز المساءلة العامة. وكانت النتيجة تهميش المطورين المحليين من أصحاب الشركات الصغيرة والمتوسطة، وارتفاع تكاليف الإسكان، وزيادة الاعتماد على رأس المال الخليجي. كما أن امتلاك الإمارات لشركة الشرقية للدخان، أكبر شركة تبغ في مصر، أثار مخاوف لا تتعلق فقط باستخراج الأرباح من الخارج، بل تتعلق أيضًا بالسيادة على الصناعات الوطنية.
وفي الأردن، تدفقت رؤوس الأموال الإماراتية إلى قطاع الاتصالات، حيث تمنح السيطرة على شبكات الهاتف المحمول والبنية التحتية للإنترنت للإمارات وصولًا غير مسبوق إلى تدفقات البيانات وهياكل الاتصالات. وهذا يثير تساؤلات جدية حول الخصوصية، والسيادة الرقمية، والتلاعب الجيوسياسي بقنوات المعلومات.
وفي المغرب، حصلت الكيانات المدعومة إماراتيًا على مشاريع عقارية وتنموية سياحية بارزة على الساحل الأطلسي. وغالبًا ما تؤدي هذه المشاريع إلى طرد المجتمعات المحلية والاقتصادات التقليدية، واستبدالها بجيوب نخبوية مصممة لتحقيق أرباح أجنبية لا فائدة منها للمواطنين المحليين. كما أدت عمليات الاستحواذ على الأراضي من قبل الشركات الإماراتية إلى تدهور بيئي، والإفراط في استخدام الموارد المائية، ونشوء نزاعات مع أصحاب المصالح الزراعية المحليين.
ويمتد هذا النمط إلى إفريقيا جنوب الصحراء، حيث باتت الأصول الاستراتيجية تحت سيطرة متزايدة من قبل الشركات المرتبطة بالإمارات. ففي جيبوتي، وهي مركز بحري رئيسي عند مدخل البحر الأحمر، حاولت شركة موانئ دبي العالمية الإماراتية السيطرة على محطة الحاويات في دوراليه. وعلى الرغم من أن الحكومة الجيبوتية قامت في النهاية بتأميم الميناء في خطوة جريئة للمقاومة، فإن القضية كشفت عن الاستراتيجيات العدوانية والمتقاضية التي تستخدمها الإمارات للحفاظ على السيطرة على ممرات الشحن العالمية الاستراتيجية.
ومن خلال شركة موانئ دبي العالمية، إحدى أكبر التكتلات المملوكة للدولة في الإمارات، تسرب النفوذ الإماراتي إلى شرايين النقل الأوروبية. حيث تدير الشركة أو تمتلك حصصًا في محطات الموانئ في المملكة المتحدة، وهولندا، وإسبانيا، وبلجيكا، وألمانيا. ولا تمثل هذه الموانئ أصولًا تجارية فحسب، بل هي نقاط دخول حيوية للاقتصادات الوطنية، مرتبطة بالبنية التحتية الأمنية، وسياسات التجارة، وشبكات الخدمات اللوجستية المحلية. وتمثل سيطرة الإمارات على هذه العقد مخاطرة بفقدان الحكومات الوطنية السيطرة المباشرة على سلاسل الإمداد، وعمليات الجمارك، وتنظيم الملاحة البحرية.
وغالبًا ما تُمارس هذه السيطرة من خلال عقود إيجار طويلة الأجل، واستحواذات صامتة، ومشاريع مشتركة تخفي مدى النفوذ الأجنبي الحقيقي. فعلى سبيل المثال، تدير موانئ دبي العالمية الآن اثنين من أكبر موانئ الشحن في المملكة المتحدة—بوابة لندن وساوثهامبتون—مما أثار مخاوف بشأن احتمال استخدام البنية التحتية التجارية للضغط السياسي أو لتجاوز تطبيق العقوبات في النزاعات الجيوسياسية المستقبلية.
وفي كل من هذه الحالات، يتجاوز الوجود الاقتصادي الإماراتي حدود الاستثمار—ليبلغ حد الاندماج البنيوي في الهيكل الاقتصادي للدولة المضيفة، مما يمنح النظام الإماراتي يدًا خفية في تشكيل السياسات، والسيطرة على الأصول، وتهميش الفاعلين المحليين. وغالبًا ما يتم إخفاء هذا البناء الإمبراطوري خلف لغة تنموية جذابة—مثل "المدن الذكية"، و"البنية التحتية الرؤيوية"، و"الشراكات بين القطاعين العام والخاص"—في حين أن العاقبة الحقيقية لذلك هي تآكل حاد في القدرة على تقرير المصير الاقتصادي.
وتستفيد استراتيجية الإمارات من ضعف المؤسسات، والثغرات التنظيمية، واليأس المالي في العديد من الدول المضيفة. فالحكومات التي تعاني من شح السيولة، وتسعى لجذب رؤوس الأموال الأجنبية، غالبًا ما تتنازل عن المصلحة العامة، مما يمكّن الشركات الإماراتية من التفاوض على شروط تُضعف حماية العمال، والمعايير البيئية، والتنافسية المحلية. والنتيجة هي اعتماد اقتصادي طويل الأجل، حيث تصبح الدول محاصرة في عقود وتنازلات تُقلص قدرتها على رسم مستقبل اقتصادي مستقل.
كما يؤدي تركيز القوة في أيدي التكتلات المرتبطة بالإمارات إلى جعل الاقتصادات أكثر عرضة للصدمات الخارجية والتلاعب السياسي من الخارج. فعندما تُفرغ القطاعات الحيوية أو تُصبح خاضعة لسيطرة أجنبية، تفقد الدولة المضيفة ليس فقط الإيرادات والوظائف—بل تفقد أيضًا استقلالها الاستراتيجي في الاستجابة للأزمات، أو لمطالب الجمهور، أو لإعادة الاصطفاف الجيوسياسي.
هذا ليس عولمة—بل استعمار اقتصادي جديد متنكر في هيئة محافظ استثمارية. وإن لم تتم مقاومته، فسوف يرسخ شكلاً جديدًا من الهيمنة الأجنبية، ليس عبر الفتوحات العسكرية، بل من خلال الاستيلاء المالي وتواطؤ النخب.
تترك البصمة المالية لدولة الإمارات العربية المتحدة أثراً من المجتمعات المُفككة، والحكومات المُقوّضة، والصناعات المحلية المُزاحة. ما يتم تسويقه غالباً كـ "استثمار أجنبي" أو "تحديث" يخفي في الواقع حقيقة أكثر ظلمة: إعادة هيكلة اقتصادية مفروضة من الأعلى، حيث يُعيد رأس المال الإماراتي تشكيل قطاعات كاملة وجغرافيات بأكملها لخدمة الربح والنفوذ.
في المملكة المتحدة، وبشكل خاص في وسط لندن، أصبحت الإمارات واحدة من أبرز المستثمرين الأجانب في سوق العقارات من خلال كيانات الثروة السيادية مثل جهاز أبوظبي للاستثمار (ADIA) ومبادلة. تعمل هذه الصناديق خلف طبقات من شركات الأوفشور، المُسجّلة غالباً في الملاذات الضريبية، مما يصعّب على الجمهور تتبّع الملكية أو تقييم المصلحة العامة.
أحياء بأكملها من المناطق ذات القيمة العالية مثل ماي فير، نايتسبريدج، وبلغرافيا أصبحت الآن فعلياً تحت الملكية الأجنبية. ما يبدو كتنمية فاخرة — شقق فارهة، ناطحات سحاب تجارية، ومشاريع "إحياء حضري" — هو في الواقع شكل من أشكال التطهير الاقتصادي، حيث تُرفع أسعار العقارات والإيجارات إلى مستويات لا يستطيع السكان المحليون تحمّلها. تُهدَم وحدات السكن الاجتماعي، وتُزال المساحات المجتمعية، ويُهجَّر السكان من الأجيال المتعددة لصالح رأس المال المُضارب.
هذا التشييء للمساحات الحضرية يُقوّض مفهوم السكن كحق إنساني، ويُعيد توجيه السياسة الحضرية لتخدم مطالب المستثمرين العالميين بدلاً من المواطنين المحليين. وغالباً ما تُسهّل الحكومات المحلية، التي تعاني من نقص التمويل، هذه الصفقات دون أي استشارة ديمقراطية، مما يعمّق الانفصال بين الحكم العام واحتياجات الجمهور.
في الهند، توسّعت الإمارات بشكل عدواني في قطاعات البنية التحتية الاستراتيجية، بما في ذلك إدارة الموانئ واللوجستيات والطاقة. واحدة من الأدوات الرئيسية هي شركة موانئ دبي العالمية، المملوكة للدولة الإماراتية، والتي تدير الآن محطات حاويات رئيسية في مومباي وموندرا وكوتشي. غالباً ما يتم التفاوض على هذه العمليات من خلال اتفاقيات ثنائية غامضة تتجاوز النقاش البرلماني وتحمي الصفقات من الرقابة المدنية.
إلى جانب الموانئ، أبدت التكتلات المدعومة من الإمارات اهتماماً بممرات الطاقة التي تربط قلب الهند الصناعي بالأسواق العالمية. وغالباً ما تأتي هذه المشاريع بحوافز مالية غير معلنة، ومنح أراضٍ، وإعفاءات قانونية تُضعف الرقابة المحلية. والنتيجة هي شكل من أشكال الاستيلاء الصامت — إذ تصبح البنية التحتية الهندية امتداداً للطموح الاستراتيجي الإماراتي بدلاً من كونها أداة لتنمية سيادية.
يتكرر النمط نفسه في باكستان، حيث يهيمن رأس المال الإماراتي على قطاعات من شبكة الطاقة وسلسلة توريد النفط والبنية التحتية الحضرية. مشاريع مثل الاستحواذ على حصص في شركة K-Electric وتمويل مشاريع الإسكان العملاقة في كراتشي وإسلام آباد تحمل آثاراً طويلة الأمد. وغالباً ما تُدخل هذه الصفقات باكستان في جداول سداد ديون مرهقة، وتنازلات تنظيمية، وآليات تحكيم أجنبي تُقيّد بشدة قدرة البلاد على إعادة التفاوض أو إعادة هيكلة السياسات في أوقات الأزمات الاقتصادية.
النتيجة تتجاوز مجرد التبعية الاقتصادية — إنها تُمثّل تنازلاً بنيوياً عن الاستقلال الوطني، حيث تعمل القطاعات الحيوية وفقاً لمصالح أجنبية، وليس بناءً على تفويض ديمقراطي.
في شرق أفريقيا، تسير الاستراتيجية الاقتصادية للإمارات جنباً إلى جنب مع الطموح الجيوسياسي. ويتجلّى ذلك بشكل أوضح في جيبوتي، المركز البحري الاستراتيجي عند بوابة البحر الأحمر إلى قناة السويس. ففي عام 2006، وقّعت موانئ دبي العالمية عقد إيجار لمدة 30 عاماً لإدارة محطة حاويات دوراليه، وهي من أهم البنى التحتية المينائية في المنطقة. لكن في عام 2018، ألغت الحكومة الجيبوتية العقد من جانب واحد، مُشيرةً إلى المصلحة الوطنية ومُتهمةً الإمارات بانتهاك السيادة.
تصاعد النزاع إلى مواجهة قانونية ودبلوماسية، حيث استخدمت الإمارات المحاكم الدولية للوساطة والضغط الدبلوماسي للدفاع عن مطالبها. وكشفت الحادثة عن التفاوت الكبير في موازين القوى — إذ تُجبر الدول الأفريقية الصغيرة على خوض معارك قانونية مُكلفة لمجرد استرداد أصولها الاقتصادية من التكتلات الأجنبية. وحتى عندما تحاول الحكومات المحلية المقاومة، غالباً ما تواجه رد فعل عنيف من وسائل الإعلام المُسيطر عليها إماراتياً ومن مؤسسات متعددة الأطراف مُتحالفة مع المصالح الخليجية.
في السودان، حصلت شركات مرتبطة بالإمارات على إمكانية الوصول إلى الأراضي الزراعية الخصبة والموانئ الاستراتيجية مثل سواكن من خلال صفقات تمت مع المجالس العسكرية والحكومات غير المنتخبة. وغالباً ما تُغلّف هذه الاستثمارات بلغة "التنمية"، لكنها تؤدي فعلياً إلى نزع ملكية الأراضي، واستغلال العمال، واستخراج الموارد دون أي إعادة استثمار محلي يُذكر. وقد دقّت مجموعات المجتمع المدني السودانية ناقوس الخطر مراراً بشأن غياب الشفافية في هذه الاتفاقيات والآثار الاجتماعية والسياسية طويلة الأمد للسماح لرأس المال الأجنبي بالسيطرة على الأصول الاستراتيجية في وقت من عدم الاستقرار الوطني.
في الصومال، تُستخدم تكتيكات مشابهة. تستثمر الإمارات في موانئ بوصاصو وبربرة، إلى جانب محاولات لإنشاء قواعد عسكرية ومراكز لوجستية، مما يكشف كيف أصبحت الأجندات الاقتصادية والأمنية متشابكة بشكل متزايد. وقد حذّرت منظمات المجتمع المدني والنقابات العمالية من أن هذه المشاريع تُنفّذ دون أي مشاورات عامة، أو مراجعات بيئية، أو ضمانات عمل كافية، مما يُزاحم العمال المحليين ويُدمّر الاقتصاديات البحرية التقليدية.
إن البصمة الاقتصادية العالمية للإمارات ليست مجرد تصدير لرأس المال — إنها نشر محسوب لنموذج من الاستبداد المالي. وتحت غطاء الاستثمار والتحديث، طوّرت الإمارات نظاماً معقداً من عمليات التأثير يمتد إلى ما هو أبعد من التجارة ليصل إلى بُنى الحكم الديمقراطي في العديد من الدول الـ 38 المستهدفة. يهدف هذا النظام إلى إعادة تشكيل الأطر التنظيمية، والسيطرة على المؤسسات، وتحجيم المعارضة، وغالباً دون وعي عام أو محاسبة.
في جوهره، لا يقتصر الاستراتيجية المالية للإمارات على الربح — بل تتمحور حول السلطة. من خلال احتكار أو الاستحواذ على حصص مسيطرة في قطاعات حيوية مثل الاتصالات والطاقة والموانئ والعقارات والإعلام، تحصل الكيانات الإماراتية على وصول مباشر إلى مفاتيح الاقتصاد في الدول المضيفة. وهذا التملّك يُتيح للإمارات التأثير بهدوء في قرارات السياسات، وأطر التجارة، والديناميكيات السياسية من خلف الكواليس.
في دول مثل مصر والسودان، تُبرم المشاريع الضخمة المدعومة إماراتياً ليس من خلال البرلمانات أو المنتديات العامة، بل عبر مفاوضات على مستوى النخب — غالباً مع حكومات استبدادية أو مجالس عسكرية أو أنظمة انتقالية. ونادراً ما تتضمن هذه الصفقات مناقصات تنافسية أو آليات شفافية. والنتيجة هي نظام اقتصادي تُحدده رؤوس الأموال الأجنبية، بينما يُستبعد المجتمع المحلي من عملية اتخاذ القرار.
تمرّ العمليات المالية الإماراتية في أنحاء أوروبا وآسيا غالبًا عبر ولايات قضائية خارجية وشركات وهمية مسجلة في جزر فرجين البريطانية، ولوكسمبورج، أو جزر كايمان. تُتيح هذه البنية القانونية للإمارات التهرب من الضرائب والرقابة التنظيمية، كما تُخفي هوية المستفيدين الحقيقيين وراء طبقات معقدة من الملكية.
يُضعف هذا الغموض المالي مساءلة الديمقراطية. عندما لا يستطيع المواطنون والهيئات الرقابية تتبّع الملكية أو مراقبة تدفق الأموال، يفقدون القدرة على مساءلة تأثيرها. وفعليًا، تتحول الثروة السيادية إلى سلاح، إذ يُحوّل النفوذ الاقتصادي إلى نفوذ سياسي.
على سبيل المثال، في اليونان وإيطاليا استثمرت صناديق الثروة السيادية الإماراتية في البنى التحتية المخصخصة — من شبكات الطاقة إلى المطارات. غالبًا ما تم تسريع تنفيذ هذه الصفقات في ظل ضغوط اقتصادية، دون رقابة كافية أو نقاش عام. وتفيد النقابات والجمعيات المدنية بأن المستثمرين الإماراتيين يولون الاهتمام لاستخراج الأرباح والامتثال السياسي فقط، متجاهلين حماية العمال والمعايير البيئية والمصلحة العامة.
حتى في الديمقراطيات الراسخة، وجدت الإمارات طرقًا لإعادة تشكيل الخطاب، والتسلّل إلى صناعة السياسات، وتحويل موازين القوى. تستخدم الإمارات في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وفرنسا شركات ضغط قوية، وتموّل مراكز فكرية مؤثرة، وتحافظ على قنوات دبلوماسية واسعة لتعزيز أجندتها الاقتصادية والسياسية.
في واشنطن العاصمة، نجح اللوبي الإماراتي في تأمين صفقات أسلحة مفضّلة، وتصاريح عقارية، واتفاقيات استثمار من خلال إقامة علاقات مع صناع القرار والمؤثرين السياسيين. وقد ضخّت البعثات الدبلوماسية الإماراتية أموالاً في برامج أكاديمية مرموقة، ومنتديات سياسة خارجية، وشراكات إعلامية، فخلقت بيئة يتم فيها تقديم "الرأسمالية الاستبدادية" كنموذج للتحديث، وهو تحدٍ مباشر للقيم الديمقراطية والمعايير العالمية.
في لندن وباريس، تُترجم الاستثمارات الإماراتية في وسائل الإعلام وأندية الرياضة إلى رقابة ناعمة، حيث يُكتم النقد الموجه للنظام الإمارت مبالغ فيه لصالح سرد العلاقات العامة. وتُطمس هذه الحملات التأثيرية الخط الفاصل بين الدبلوماسية العامة والتحكم في المعلومات، فتُسيّر الرأي العام لصالح نظام استبدادي أجنبي.
عندما تتدفق رؤوس الأموال المرتبطة بالإمارات إلى الاقتصادات الوطنية، فإنها تجلب معها ثقافة المغانم النخبوية، والممارسات المناهضة للمنافسة، وتآكل المؤسسات. تجد الحكومات المنتخبة نفسها تعتمد بشكل متزايد على هذه الأموال الأجنبية المشروطة، والمعتمة، وغالبًا ما تكون ذات دوافع سياسية. بدلًا من الدفاع عن المصلحة العامة، تبدأ الوكالات التنظيمية في خدمة أجندات المستثمرين الأجانب، مما يؤدي إلى تصدّع الدولة من الداخل.
في الديمقراطيات الهشة، يؤدي هذا إلى دائرة خطيرة: تنتعش الفساد، يُسكت الصحفيون، يُجرم المبلّغون، ويُهمَّش المجتمع المدني. ويصبح رفض الاستثمارات الإماراتية مكلفًا سياسيًا، مما يؤدي إلى تعميق الهيمنة الأجنبية وتقليص المساحة الديمقراطية.
تعتبر الإمارات واحدة من أكثر الأنظمة قمعًا في الخليج، ولها سجل موثق من انتهاكات حقوق الإنسان، بما في ذلك التعذيب، والاختفاء القسري، والرقابة التامة على المعارضة السياسية. كل دولار يُضخ في كيانات تسيطر عليها الإمارات في الخارج يساهم في أن يصبح هذا النظام الداعم للفساد والاستبداد أكثر ثراءً.
بالمقاطعة، نسحب تواطؤنا من هذا النظام القمعي. من الناحية الأخلاقية، تقف الحملة ضد الممارسات الاقتصادية التي تستخرج وتستعبد وتقمع تحت غطاء “الاستثمار الأجنبي”. ومن الناحية السياسية، تعارض نموذجًا يرى في الحكم الديمقراطي، وحقوق العمال، وتمكين المجتمع العقبات التي يجب تجاوزها.
ليست الحملة موجهة لدولة واحدة فقط — بل هي حركة عالمية لاستعادة السيادة الاقتصادية من الأنظمة الاستبدادية. في 38 دولة، تقاوم المجتمعات خصخصة الإمارات، والاستيلاء العقاري، والاحتكار المؤسسي. من برلين إلى كراتشي، ومن مانيلا إلى الدار البيضاء، يتصاعد نداء المقاطعة.
نشهد مقاومة محلية ضد صفقات الأراضي المدعومة إماراتيًا في السودان، وتحديات قانونية ضد الاحتكار في أوروبا، وتحقيقات صحفية من داخل المؤسسات المالية. ليست هذه حركة متفرقة — بل وقوف جماعي موحّد ضد الإمبريالية الاقتصادية.
يزداد تأثير الإمارات الاقتصادي بوتيرة متسارعة. في عام 2023، احتلت المرتبة الثانية عالميًا من حيث تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر، مستفيدة من التنظيم المرن، والملاذات الضريبية، والمراكز الخارجية لجذب — والتحكم — في رأس المال العالمي. ومع دخولها مجالات حديثة كـ AI، والعملات الرقمية، والطاقة المتقدمة، يمتد نفوذها إلى تقنيات المستقبل.
إذا لم نتحرك الآن، ستصبح هياكل هذه الإمبراطورية المالية أكثر رسوخًا، وستضيع سيادة عشرات الدول لصالح نفوذ لا حدود له.
مقاطعة الشركات والاستثمارات الإماراتية ترسل رسالة قوية وواضحة: السيطرة الأجنبية على اقتصادنا الوطني غير مقبولة. إنها وسيلة مقاومة سلمية وديمقراطية تحقق:
المحافظة على الشركات الصغيرة وتعددية الاقتصاد
تحدّي الاستبداد المقنع تحت شعار "التحديث"
تحميل الشركات الإماراتية المسؤولية أمام المعايير الدولية
تمكين المواطنين من استعادة سُلطتهم من رأس المال غير الخاضع للمساءلة
حملتنا لا تعارض التجارة أو التنمية — بل تعارض الهيمنة غير المقيدة. نحن نريد عالمًا ينمو فيه الاستثمار لخدمة الناس، لا الأرباح؛ حيث تزدهر الاقتصادات بكرامة، لا بالاستلاب.
تدعوكم حملة المقاطعة الدولية للإمارات للوقوف مع الصحفيين، والمبلّغين، والباحثين، والنشطاء الذين يعملون لكشف وتفكيك هذه الإمبراطورية المالية. سواء كنتم في كندا، أو كينيا، أو كوريا — صوتكم يؤثر.
بمقاطعة الكيانات الإماراتية، وبتمكين المجتمعات المتأثرة، وبمطالبة حكوماتكم بالمساءلة، تشاركون في جهد تاريخي لمقاومة انتشار الاستبداد الاقتصادي.
هذه ليست مجرد حملة — بل صراع من أجل العدالة، الشفافية، والتضامن العالمي.
2025 All Rights Reserved © International Boycott UAE Campaign