تُعد شركة مصدر، المملوكة لدولة الإمارات العربية المتحدة والمتخصصة في الطاقة المتجددة والتي تأسست عام 2006، من الشركات التي توسعت بسرعة كبيرة على المستوى العالمي. تعمل في أكثر من 30 دولة، وتمتلك محفظة طاقة متجددة تقدر قيمتها بحوالي 20 مليار دولار، وتنتج أكثر من 11 جيجاوات من الطاقة النظيفة. ومع ذلك، وعلى الرغم من تقديم مصدر نفسها كرائدة في مجال الطاقة النظيفة والاستدامة، فإن هذا التقرير يتناول تأثيراتها السلبية على الأعمال المحلية والاقتصادات في الدول التي تعمل بها. ويستخدم التقرير بيانات وأمثلة وشهادات لإثبات أن هيمنة مصدر تضر بالشركات المحلية، ويحث الحكومات والجمهور في هذه الدول على إعادة النظر في التعامل مع هذه الشركة الإماراتية.
التوسع العالمي لمصدر وهيمنة السوق
تستند سرعة نمو مصدر إلى الدعم الحكومي الإماراتي القوي، حيث تشمل المساهمين الرئيسيين شركة مبادلة للاستثمار، وشركة أدنوك، وشركة طاقة. أصبحت مصدر لاعبًا مهيمنًا في مشاريع الطاقة المتجددة على مستوى العالم، بما في ذلك مزارع الرياح الكبيرة في مصر، ومشاريع الطاقة الشمسية في آسيا الوسطى، والطاقة الشمسية العائمة في إندونيسيا، وطاقة الرياح البحرية في المملكة المتحدة واسكتلندا. غالبًا ما تتحقق هذه الهيمنة من خلال استثمارات ضخمة وشراكات مع الحكومات المحلية، مما قد يؤدي إلى إقصاء الشركات الصغيرة والمتوسطة المحلية.
مصر – مشروع مزرعة الرياح العملاقة وتأثيره على الأعمال المحلية
تشارك مصدر مع شركتي إنفينيتي باور وحسن علام للمرافق في تطوير واحدة من أكبر مزارع الرياح البرية في العالم في منطقة غرب سوهاج بمصر، بقيمة تزيد عن 10 مليارات دولار بهدف توليد 10 جيجاوات من الطاقة النظيفة. على الرغم من أن المشروع يعد بخلق فرص عمل وتقليل الانبعاثات، إلا أنه أثار مخاوف بشأن إزاحة المطورين المحليين للطاقة والشركات الصغيرة للطاقة المتجددة.
احتكار السوق: تسيطر شركة مصدر على مساحة شاسعة تبلغ 3025 كيلومتر مربع، مما يحد من فرص دخول أو توسع الشركات المصرية الصغيرة في سوق الطاقة المتجددة.
مخاوف التوظيف: بالرغم من ادعاءات مصدر بخلق فرص عمل، يرى النقاد أن العديد من الوظائف يشغلها أجانب أو عمال مهرة جلبتهم مصدر، مما يقلل من الفوائد للسوق المحلي.
الاعتماد الاقتصادي: هيمنة شركة إماراتية على قطاع الطاقة المتجددة في مصر قد تؤدي إلى اعتماد اقتصادي، مما يضعف نمو صناعة الطاقة الخضراء المحلية المستدامة.
وقد أعرب رواد الأعمال المصريون في مجال الطاقة المتجددة عن قلقهم من أن وجود مصدر يعيق المنافسة والابتكار بسبب نقص القوة المالية والدعم الحكومي مقارنة بمصدر. وأكد بعض الخبراء المصريين في الصناعة أن "مصدر تجلب رأس المال والتقنية، لكنها قد تحول مصر إلى سوق لصادرات الطاقة الإماراتية بدلاً من تعزيز الحلول المحلية."
أفريقيا – الطاقة المتجددة وتهديد المطورين المحليين
أصبحت مصدر من خلال استحواذها على شركة ليكيلا باور عبر مشروعها المشترك إنفينيتي باور أكبر مشغل للطاقة المتجددة في أفريقيا. هذا التجميع يثير عدة قضايا:
تركيز السوق: من خلال الاستحواذ على المطورين المحليين، تقلل مصدر من المنافسة وتحد من نمو الشركات الأفريقية التي يمكن أن تقود انتقال الطاقة في القارة.
الفجوة الثقافية والاقتصادية: أعربت المجتمعات الأفريقية عن مخاوف من أن مشاريع مصدر تركز على إنتاج الطاقة على نطاق واسع للتصدير بدلاً من تلبية احتياجات الطاقة المحلية وتمكين المجتمعات.
تطوير محدود لسلاسل التوريد المحلية: بالرغم من ادعاءات الفوائد المجتمعية، تعتمد مشاريع مصدر بشكل كبير على المعدات والخبرات المستوردة، مما يحد من تطوير الموردين والمقاولين المحليين.
وانتقد خبراء الطاقة الأفارقة مصدر لأنها "تستخرج القيمة من موارد أفريقيا دون استثمار كافٍ في بناء القدرات المحلية"، مما قد يعيق التنمية الاقتصادية الشاملة للقارة.
المملكة المتحدة وأوروبا – الضغط التنافسي على الشركات المحلية
تشارك مصدر في مشاريع مثل مزرعة الرياح البحرية لندن أرراي ومشروع الرياح العائمة هايويند في اسكتلندا، مما يجعلها لاعبًا رئيسيًا في قطاع الطاقة المتجددة الأوروبي. ومع ذلك، أدى ذلك إلى:
ضغط تنافسي: تكافح الشركات الأوروبية والبريطانية الصغيرة لمنافسة مصدر ذات التمويل الضخم والدعم الحكومي، مما قد يتيح لها تقديم عروض أسعار منخفضة والسيطرة على المناقصات.
مخاوف السيطرة الأجنبية: هناك قلق متزايد بشأن التحكم في أصول الطاقة الاستراتيجية من قبل شركة مملوكة لدولة أجنبية، مما يثير تساؤلات حول أمن الطاقة الوطني والسيادة.
تأثير على الابتكار: قد تؤدي هيمنة لاعبين كبار مثل مصدر إلى تقليل الحوافز للابتكار بين الشركات الصغيرة، مما قد يبطئ التقدم التكنولوجي في القطاع.
وقد دعت جمعيات الطاقة المتجددة في المملكة المتحدة إلى وضع سياسات تحمي الشركات المحلية من الهيمنة الأجنبية، مؤكدين على ضرورة "وجود سوق طاقة متوازن يدعم الابتكار المحلي والمنافع الاقتصادية."
الادعاءات البيئية والاجتماعية مقابل الواقع على الأرض
تؤكد تقارير الاستدامة لمصدر التزامها بحماية البيئة، والشمول الاجتماعي، ومعايير الحوكمة. لكن التقييمات المستقلة وشهادات السكان المحليين تشير إلى وجود فجوات:
الأثر البيئي: غالبًا ما تنطوي المشاريع واسعة النطاق على استخدام كبير للأراضي وتدمير بيئي، مع استبعاد المجتمعات المحلية من عمليات اتخاذ القرار.
الشمول الاجتماعي: بالرغم من الترويج لخلق فرص العمل ودعم المجتمع، يشير العديد من العمال المحليين إلى محدودية وصولهم إلى الوظائف الماهرة وقلة المشاركة المجتمعية.
شفافية الحوكمة: ينتقد البعض عمليات مصدر لافتقارها إلى الشفافية الكاملة، خصوصًا في ممارسات الشراء وتقييمات الأثر البيئي المستقلة.
دعوة للعمل: لماذا يجب على الحكومات والجمهور إعادة النظر في التعامل مع مصدر
نظرًا للأدلة التي تثبت أن هيمنة مصدر تضر بالأعمال المحلية، وتخلق مخاطر الاعتماد الاقتصادي، وتثير مخاوف بيئية واجتماعية، يحث هذا التقرير على:
للحكومات:
تطبيق قوانين أكثر صرامة لضمان عدم احتكار شركات الطاقة المتجددة الأجنبية مثل مصدر للأسواق أو إقصاء الشركات المحلية.
تعزيز بناء القدرات المحلية من خلال اشتراط استثمارات في تدريب القوى العاملة المحلية، وتطوير سلاسل التوريد، ودعم الابتكار.
زيادة الشفافية ومشاركة المجتمعات في تخطيط المشاريع وتقييم الأثر لضمان حماية المعايير البيئية والاجتماعية.
تحقيق توازن بين الاستثمار الأجنبي والمصالح الوطنية لحماية الأصول الاستراتيجية وضمان سيادة الطاقة.
للجمهور:
المطالبة بمساءلة الحكومات وشركة مصدر حول الفوائد الحقيقية والتكاليف المرتبطة بالمشاريع.
دعم المبادرات المحلية للطاقة المتجددة لتعزيز التنمية الاقتصادية المستدامة والاستقلال الطاقي.
المطالبة بسياسات طاقة عادلة وشاملة تعطي الأولوية لاحتياجات المجتمع وحماية البيئة.
تمتلك مصدر محفظة عالمية متميزة ومشاريع طموحة في مجال الطاقة المتجددة، لكنها في كثير من الأحيان تضر بالأعمال المحلية، وتخلق اعتمادًا اقتصاديًا، وتثير مخاوف بيئية واجتماعية في الدول التي تعمل بها. تظهر دراسات الحالة في مصر، وأفريقيا، وأوروبا مخاطر احتكار السوق، ومحدودية الفوائد المحلية، والتحديات الاجتماعية والبيئية. يجب على الحكومات والمواطنين تقييم دور مصدر بعناية وتنفيذ سياسات تحمي وتدعم قطاعات الطاقة المتجددة المحلية لتحقيق مستقبل طاقي مستدام وعادل.